سوريا: هل حمص 2011 هي حماة 1982 بحركة بطيئة؟
كاتلين فيتز جيرالد/سي أن أن
لقد أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تقريره حول الانتهاكات المرتكبة في سوريا, و يمكن اعتباره دليل للحالة الإنسانية المزرية و عدم احترام حقوق الإنسان في سوريا: الاعتقالات العشوائية و حالات الاختفاء القسرية و الأوامر التي يتلقاها الجنود بإطلاق النار على المدنيين المسالمين بما فيهم النساء و الأطفال, و إعدام أولئك الذين يرفضون الأوامر و عمليات إطلاق النار الجماعية على المتظاهرين و التعذيب الجسدي و المعنوي بما في ذلك بعض الاعتداءات التي ارتكبت في المستشفيات و الاعتداءات الجنسية للبالغين و الأطفال على حد سواء.1
مع فرض الجامعة العربية عقوبات قوية تمت الموافقة عليها نهاية الأسبوع, فإنه يبدو أن الإجماع الدولي قد بني ضد أفعال النظام السوري. و لكن الأمر لن يحدث قريبا جدا. 1
من الصعب عدم إجراء مقارنة ما بين عام 1982 عندما تنظر إلى وحشية الأسد التي يقوم بها هذا العام. قبل أسبوعين, قرأت ما يلي على التويتر “حمص 2011=حماة 1982 , ولكن ببطء”. 1
إن مجزرة حماة تعتبر من أشهر المجازر و البشاعات التي ارتكبها نظام شرق أوسطي ضد شعبه. في عام 1982, قاد الإخوان المسلمون ثورة تمركزت في حماة.1 و ردا عليها , أطلق حافظ الأسد والد الرئيس السوري المستبد الحالي حملة قمع وحشية أدت إلى مقتل ما بين 10000 إلى 40000 شخص في المدينة. 1
لقد قصفت قوات الأسد المدينة بالمدفعية , و حولت المباني إلى ركام تام. و قد قاموا بتعذيب عدد غير معروف من المواطنين و أعدموا آخرين بصورة جماعية. و قد استغرق الأمر وقتا حتى وصلت أخبار حماة إلى العالم. في مارس من ذلك العام أوردت مجلة التايم أن عدد القتلى قد وصل إلى 1000 قتيل فقط. أي أقل بكثير من التقديرات الصحيحة . إن العدد الحقيقي لمن قتل في حماة لن يعرف أبدا. 1
إن الشعوب في كل من تونس و مصر و البحرين و اليمن يتحلون بالشجاعة, و لكن يجب أن تؤخذ إجراءات أخرى للمقاومة في سوريا. في العقود الأربعة التي حكم فيها الأسد, فقد كان القمع باليد الحديدة هو الأمر السائد, و قد مثلت حماة المثال المتطرف. إن القوات المسلحة السورية – على خلاف تونس و مصر وليبيا- مرتبطة بقوة مع النظام, و ذلك بالنظر إلى أن القيادة العسكرية تنحدر في معظمها من الطائفة العلوية و التي تمثل أقلية في سوريا لا تتجاوز 10% من السكان و التي يمكن أن تخسر الكثير إذا سقط الأسد. 1
علاوة على ذلك, فإن الأمر بحاجة إلى شجاعة استثنائية للخروج في بلد حصلت فيه حادثة مثل مجزرة حماة تعيش حية في ذاكرة العديد من المواطنين, وحيث لا يزال نفس النظام هو الحاكم, حتى لو كان من يحكم هو الجيل الجديد. 1
و لكن الناس في جميع أنحاء سوريا قد هبوا, و يبدو أن مركز المقاومة في هذه المرة يتمركز في حمص. و في هذه السياق فإن حمص توازي حماة عام 1982: إنها بؤرة المقاومة و المكان الذي يتحمل أعباء رد النظام على الثورة. 1
ويشعر المرء أنه يقرأ نفس القصة مرارا و تكرارا , إلى حد أن الإنسان يبذل جهدا لكي يتذكر أن ما يحصل ليس هو نفس الحدث, و لكن نفس التصرفات الوحشية تتكرر على يد النظام نفسه مرات و مرات: قتل 12, قتل 30, قتل 110 في المواجهة في حمص عندما قامت دبابات النظام بدك حي من الأحياء, و عندما قام جنود النظام بمهاجمة المتظاهرين, و عندما سقطت مدافع النظام في حي سكني. 1
مع وصول عدد القتلى إلى ما يقدر ب 3500 على يد قوات الأمن لحد الآن فإن ما يزيد عن 500 شخص منهم سقطوا في حمص (ملاحظة: المعارضة السورية تقدر أن عدد القتلى يزيد على 4200 ثلثهم قتلوا في حمص) , كما أن هناك الكثير من المفقودين – سواء في المعتقلات أو قتلوا هذا ما يعلمه النظام فقط. عند هذه الحد, فإن حمص بحاجة إلى عشر سنوات أخرى لكي تصل أقل رقم مقدر لقتلى مجزرة حماة, و لكن الأرقام ليست هي الأساس الوحيد للمقارنة. 1
إن سياسة الأرض المحروقة في حماة لم تكن تعنى بعدد القتلى أو المعذبين أو المعتقلين. لقد تم وضعها كمثال على سحق المقاومة, و شطبها من الوجود بحيث أن الشعب السوري سوف يعلم تماما ما سيحصل لأولئك الذين يتجرءون على الوقوف ضد الأسد. 1
إن ابن حافظ الأسد يسير على خطا والده, ليس فقط في حمص و لكن في كل مكان اندلعت فيه الثورة. إن لم يكن الأمر واضحا بما فيه الكفاية لأي شخص في السابق, فإن الأمر لا يمكن إنكاره حاليا مع القائمة الكبيرة من الانتهاكات التي وردت في تقرير الأمم المتحدة. إن بشار الأسد و ببساطة يسير بإيقاع أبطأ من إيقاع والده, لربما لأنه يعتقد بأنه إن لم يتكلم عن ما يقوم به و أبقى الانتهاكات على نطاقها الأصغر, فإنه سيكون من الأسهل على العالم أن يشاهد و ينتظر و يتأرجح , و سوف يكون من الصعب تبرير التدخل من قبل المعارضين, و سوف تكون الإصلاحات مطروحة على الطاولة. إنه يراهن على أن بوسعه قتل 10 أو 30 أو 100 شخص في الوقت الذي يستمر فيه في الحديث عن الإصلاحات و مواجهة العصابات المسلحة التي تتكون من أجانب و الاستمرار على هذا المنوال. 1
إن خيار المشاهدة و الانتظار لم يعد مطروحا. فقط لنأخذ حالة حمص: منذ شهر مايو فإن سكان المدينة يتعرضون للقتل من قبل مدفعية الدبابات و الصواريخ و الرشاشات و رصاص القناصات. إن مدينة حمص دمرت, سواء من قبل المداهمات الأمنية أو من قبل القصف. إن قوات الأمن حولت حتى المستشفيات إلى مناطق غير آمنة, و قامت باعتقال الأشخاص الذين يبحثون عن العناية الطبية بسبب الجروح التي تعرضوا لها خلال المظاهرات. إن الناس يعتقلون من الشارع أو حتى من بيوتهم, و يعود بعضهم جثثا هامدة, و هناك علامات واضحة للتعذيب على أجسادهم.1
في الأشهر القليلة الماضية, حصلت مواجهات يومية في مناطق متعددة من المدينة و ذلك مع استمرار المواطنين في الاحتجاج و استمرار قوات الأسد بمواجهتهم بالقمع العنيف. إن المدينة قابعة تحت الحصار, و تحيط بها أرتال من الدبابات و الحياة هناك تحت التهديد. في الأيام القليلة الأولى بعد توقيع معاهدة سلام في بداية شهر نوفمبر, قام الأسد بقتل ما يزيد على 60 شخصا من شعبه, مع عمليات قتل متزايدة كل يوم منذ ذلك الوقت. 1
إن بشار الأسد يسير حقيقة خلف خطا والده خطوة بخطوة, فهو يرتكب القمع الوحشي الذي يهدف إلى سحق التمرد و يرسل رسائل لا مجال فيها للخطأ للذين يتظاهرون في أماكن أخرى أو أولئك الذين يمكن أن يتظاهروا في المستقبل, و لكن بعض الأمور مختلفة هذه المرة. على خلاف عام 1982, فإن أعضاء القوات المسلحة ينشقون و يتسلحون ضد النظام, و الفارق الحاسم هذه المرة أننا نعلم ما يحدث تماما في سوريا. في عام 1982 حماة كانت تحت الأنقاض, و قد قامت الجرافات بالتغطية على المقابر الجماعية, قبل أن يعرف العالم ما الذي جرى. ولكن ليس هناك أي شيء يمكن أن يحجب الانتهاكات عام 2011. 1
يبدو أن الزخم يرتفع الآن من أجل وضع نهاية لانتهاكات نظام الأسد ضد شعبه, و لكننا بحاجة إلى رفع مستوى الضغط. إن المثال الليبي للتدخل قد لا يكون عمليا من الناحية الإستراتيجية في سوريا, و لكن هناك إجراءات يمكن أن نتخذها و أن نشجع دولا أخرى لاتخاذها , أولاها وقف معاملة بشار الأسد على أنه شريك حقيقي بينما يستمر في قتل شعبه , و يبدو أن دولة بعد أخرى تقوم بهذا الأمر في الأيام الأخيرة.1
إن عقوبات الجامعة العربية و التنديد المستمر بانتهاكات سوريا لحقوق الإنسان يمثلوا خطوة قوية في الاتجاه الصحيح, و قفزة كبيرة للجامعة العربية نفسها, و التي يجب أن تكون منخرطة في أي انتقال سلمي للسلطة في سوريا, كما هو حال تركيا و التي تتشارك حدودا طويلة مع سوريا والتي أظهرت رغبة واضحة في الانخراط في الشأن السوري. فبالإضافة إلى المشاركة في اجتماعات الجامعة العربية, فإن تركيا تقوم بإيواء اللاجئين السوريين و تقوم بلقاء أعضاء من المعارضة. 1
إن عددا متزايدا من الدول تفرض فعليا عقوبات اقتصادية ضد سوريا أو أنها تشدد من العقوبات المفروضة فعلا, و العديد من الدول أقامت اتصالات مع أعضاء من المعارضة السورية. وعلى ضوء تقرير الأمم المتحدة, فإن روسيا و أي دولة أخرى معارضة لهذه الأمور يجب أن يتم إقناعها بوقف حماية سوريا من التعرض لعقوبات أقسى في الأمم المتحدة. 1
إن علينا الاستمرار في رفع مستوى الضغط في الأمم المتحدة, و أن نقوم بتقديم الدعم لجميع الأطراف الإقليمية الفاعلة في مثل هذه المناطق التي ترمي إلى تقديم المساعدة و بناء قدرات المعارضة السورية. إن علينا أن نوضح لقادة المعارضة و دون لبس بأننا سوف نقدم المساعدة و الدعم للحكومة الشرعية في مرحلة ما بعد الأسد, إضافة إلى المساعد الفورية في تنظيم المعارضة و تجهيزها للتعامل مع عملية نقل السلطة في حالة سقوط نظام الأسد. 1
إن ما يزيد على 3500 شخص قد قتلوا في الاحتجاجات السورية, مع وجود ما يزيد عن الآلاف بين مفقود و لاجئ. إن تقرير الأمم المتحدة هذا, و الذي يجمع هذا العديد الكبير من الأدلة ذات المصداقية على انتهاكات نظام الأسد لحقوق الإنسان يجعل من الواضح بأن شدة النهج الحالي من القمع لا يمكن أن يقارن بأي شكل من الأشكال مع ما حدث عام 1982, و لكن لا زال هناك وقت من أجل ضمان أنهم لم يصلوا إلى حجم تلك الفظائع التي ارتكبت.